فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: نادى أهل المحبة أهل القطيعة {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا} يعني قوله: «ألا من طلبني وجدني» {فهل وجدتم ما وعدكم} {ربكم} حقًا وهو قوله: «ومن طلب غيري لم يجدني» {فأذن مؤذن} العزة والعظمة على الظالمين الذين وضعوا استعداد الطلب في غير موضع مطلوبه، الذين يصدون القلب والروح عن سبيل الله وطلبه، ويطلبون صرف وجوههم إلى الدنيا وما فيها {وبينهما حجاب} من الأوصاف البشرية والأخلاق الذميمة النفسانية فلا يرى أهل النار أهل الجنة وكذا بين أهل الجنة وأهل الله- وهم أصحاب الأعراف- حجاب من أوصاف الخلقية والأخلاق الحميدة الروحانية.
وسميت أعرافًا لأنها موطن أهل المعرفة، وسموا رجالًا لأنهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال في النساء ولا يتصرف فيهم شيء منه، فالأعراف مرتبة فوق الجنان في حظائر القدس عند الرحمن {يعرفون كلًا} من أهل الجنة وأهل النيران {بسيماهم} من آثار نور القلب وظلمته {ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم} يعني هنيئًا لكم ما أنتم فيه من النعيم والحور والقصور. ثم أخبر عن همة أهل الأعراف فقال: {لم يدخلوها} أي الجنة ونعيمها ولم يلتفتوا إلى غير المولى {وهم يطمعون} في الوصول إلى الحق سبحانه. {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} ابتلاء ليعرفوا أنه تعالى من أي دركة خلصهم وبأي كرامة خصهم ومن هذا القبيل يكون ما يسنح لأرباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما أتاهم الله بشيء من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والأنس مع الله في الخلوات {رجالًا يعرفونهم بسيماهم} يعني أهل الجنة وأهل النار {ما أغنى عنكم جمعكم} يا أهل الجنة وأهل الله من الطاعات ويا أهل النار من الدنيا والشهوات {وما كنتم تستكبرون} عن السير في حقيقة لا إله إلا الله: {أهؤلاء الذين أقسمتم} يعني أن من المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر في بعض الأوقات من يقول لدناءة همته لأهل المحبة والمعرفة {لا ينالهم الله برحمة} الوصول {ادخلوا الجنة} يعني الجنة المضافة إليه في قوله: {ادخلي جنتي} [الفجر: 30] في حظائر القدس وعالم الجبروت {لا خوف عليكم} من الخروج {ولا أنتم تحزنون} على ما فاتكم من نعيم الجنة إذ فزتم بشهود جمالنا. اعلم أن أهل الجنة وأهل النار يرون أهل الله وهم أصحاب الأعراف بالصورة ما داموا في مواطن الكونين، فإذا دخلوا الجنة الحقيقية المضافة إلى الله في حظائر القدس وسرادق العزة انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقرّبين فافهم. يحكى عن بابا جعفر الأبهري أنه دخل على بابا طاهر الهمداني فقال: أين كنت فإني حضرت البارحة مع الخواص على باب الله فما رأيتك ثمة؟ فقال بابا طاهر: صدقت كنت على الباب مع الخواص وكنت داخلًا مع الأخص فما رأيتني. {فيضوا علينا من الماء} كانوا في الدنيا عبيد البطون حراصًا على الطعام والشراب فماتوا على ما عاشوا وحشروا على ما ماتوا، وإن أهل الجنة لما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم في الجنة بشهوات النفس والمضايقة بها {فقالوا إن الله حرمهما على الكافرين} وفي الحقيقة إنما حرمهما عليهم في الأزل فلم يوفقوا لمعاملات تورث الجنة {هل ينظرون إلا تأويله} أي ما يؤل إليه عاقبته في شأنهم. فللمؤمنين كشف الغطاء وسبوغ العطاء، ولأهل الجحود الفرقة الافتقار وعذاب النار أعاذنا الله تعالى منها. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {وَيَا ءادَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ} أي النفس وسميت حواء لملازمتها الجسم الظلماني إذ الحوة اللون الذي يغلب عليه السواد.
وبعضهم يجعل آدم إشارة إلى القلب لأنه من الأدمة وهي السمرة وهو لتعلقه بالجسم دون النفس سمي بذلك.
ولشرف آدم عليه السلام وجه النداء إله وزوجه تبع له في السكنى {الجنة} هي عندهم إشارة إلى سماء عالم الأرواح التي هي روضة القدس {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} لا حجر عليكما في تلقي المعاني والمعارف والحكم التي هي الأقوات القلبية والفواكه الروحانية {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} أي شجرة الطبيعة والهوى التي بحضرتكما {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} [الأعراف: 19] الواضعين النور في محل الظلمة أو الناقصين من نور استعدادكما.
وأول بعضهم الشجرة بشجرة المحبة المورقة بأنواع المحنة أي لا تقرباها فتظلما أنفسكما لما فيها من احتراق أنانية المحب وفناء هويته في هوية المحبوب ثم قال: إن هذه الشجرة غرسها الرحمن بيده لآدم عليه السلام كما خمر طينته بيده لها:
فلم تك تصلح إلا له ** ولم يك يصلح إلا لها

وأن المنع كان تحريضًا على تناولها فالمرء حريص على ما منع، واختار هذا النيسابوري وتكلف في باقي الآية ما تكلف فإن أردته فارجع إليه {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن} أي ليظهر لهما بالميل إلى شجرة الطبيعة ما حجب عنهما عند التجرد من الأمور الرذيلة التي هي عورات عند العقل {سَوْءتِهِمَا وَقَالَ مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20] أوهمهما أن في الاتصاف بالطبيعة الجسمانية لذاتًا ملكية وخلودًا فيها أو ملكًا ورياسة على القوى بغير زوال إن قرئ {مَلَكَيْنِ} بكسر اللام.
{فدلاهما} فنزلهما من غرف القدس إلى التعلق بها والركون إليها {بِغُرُورٍ} بما غرهما من كأس القسم المترعة من حميا ذكر الحبيب {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا} والقليل منها بالنسبة إليهما كثير {سَوْءتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} أي يكتمان هاتيك السوآت والفواحش الطبيعية بالآداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الآراء العقلية ومستنبطات القوة العاقلة العلمية ويخفيانها بالحيل العملية {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا} بما أودعت في عقولكما من الميل إلى التجرد وإدراك المعقولات {عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22] وذلك القول بما ألهم العقل من منافاة أحكام الوهم ومضادة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} بالميل إلى جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا} بإلباسنا الأنوار الروحانية وإفاضتها علينا {وَتَرْحَمْنَا} بإفاضة المعارف الحقيقية {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23] الذين أتلفوا الاستعداد الذي هو مادة السعادة وحرموا عن الكمال التجردي بملازمة النقص الطبيعي {قَالَ اهبطوا} إلى الجهة السفلى التي هي العالم الجسماني {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [اوعراف: 24] لأن مطالب الجهة السفلية جزئية لا تحتمل الشركة فكلما حظي بها أحد حرم منها غيره فيقع بينهما العداوة والبغضاء بخلاف المطالب الكلية.
وجمع الخطاب لأنه في قوة خطاب النوع {تُخْرَجُونَ يا بنى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} وهو لباس الشريعة {يوارى} يستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم بشعاره ودثاره {سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا} زينة وجمالًا في الظاهر والباطن تمتازون به عن سائر الحيوانات {وَلِبَاسُ التقوى} أي صفة الورع والحذر من صفات النفس {ذلك خَيْرٌ} من سائر أركان الشرائع والحمية رأس الدواء.
ويقال: لباس التقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفي ولباس الأول: منها الصدق في طلب المولى ويتوارى به سوأة الطمع في الدنيا وما فيها.
ولباس الثاني: محبة ذي المجد الأسنى ويتوارى به سوأة التعلق بالسوي.
ولباس الثالث: رؤية العلي الأعلى ويتوارى به سوأة رؤية غيره في الأولى والأخرى.
ولباس الرابع: البقاء بهوية ذي القدس الأسنى ويتوارى به سوأة هوية ما في السموات وما في الأرض وما تحت الثرى قيل: وهذا إشارة إلى الحقيقة، وربما يقال: اللباس المواري للسوآت إشارة إلى الشريعة والريش إشارة إلى الطريقة لما أن مدارها على حسن الأخلاق وبذلك يتزين الإنسان ولباس التقوى إشارة إلى الحقيقة لما فيها من ترك السوي وهو أكمل أنواع التقوى {ذلك} أي لباس التقوى {مِنْ آيات الله} أي من أنوار صفاته سبحانه إذ التوقي من صفات النفس لا يتيسر إلا بظهور تجليات صفات الحق أو إنزال الشريعة والحقيقة مما يدل على الله سبحانه وتعالى: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26] عند ظهور تلك الأنوار لباسكم الأصلي النوري أو تذكرون معرفتكم له عند أخذ العهد فتتمسكون بأذيالها اليوم {يَذَّكَّرُونَ يا بنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} بنزع لباس الشريعة والتقوى فتحرموا من دخول الجنة {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} الفطري النوري {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] وذلك بمقتضى البشرية وقد يرون بواسطة النور الرباني.
{قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} بالعدل وهو الصراط المستقيم {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} أي ذواتكم بمنعها عن الميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} أي مقام سجود أو وقته، والسجود عندهم كما قاله البعض أربعة أقسام سجود الانقياد والطاعة وإقامة الوجه عنده بالإخلاص وترك الالتفات إلى السوي ومراعاة موافقة الأمر وصدق النية والامتناع عن المخالفة في جميع الأمور، وسجود الفناء في الأفعال وإقامة الوجه عنده بأن لا يرى مؤثرًا غير الله تعالى أصلًا.
وسجود الفناء في الصفات وإقامة الوجه عنده بأن لا يكره شيئًا من غير أن يميل إلى الإفراط بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا التفريط بالتسخط على المخالف والتعيير له والاستخفاف به.
وسجود الفناء في الذات وإقامة الوجه عنده بالغيبة عن البقية والانطماس بالكلية والامتناع عن إثبات الآنية والاثنينية فلا يطغى بحجاب الآنية ولا يتزندق بالإباحة وترك الإطاعة.
{وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} بتخصيص العمل لله سبحانه أو برؤية العمل منه أو به جل شأنه {كَمَا بَدَأَكُمْ} أظهركم بإفاضة هذه التعينات عليكم {تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] إليه أو كما بدأكم لطفًا أو قهرًا تعودون إليه فيعاملكم حسبما بدأكم {فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} كما ثبت ذلك في علمه {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين} من القوى النفسانية الوهمية والتخيلية {أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} للمناسبة التامة بين الفريقين {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] لقوة سلطان الوهم {يا بنى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ} فأخلصوا العمل لله تعالى وتوكلوا عليه وقوموا بحق الرضا وتمكنوا في التحقق بالحقيقة ومراعاة حقوق الاستقامة ولكل مقام مقال: {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأعراف: 31] بالإفراط والتفريط فإن العدالة صراط الله تعالى المستقيم.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} أي منع عنها وقال: لا يمكن التزين بها {والطيبات مِنَ الرزق} كعلوم الإخلاص ومقام التوكل والرضا والتمكين {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ} [الأعراف: 32] الكبرى عن التلون وظهور شيء من بقايا الأفعال والصفات والذات {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} رذائل القوة البهيمية {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغى} رذائل القوة السبعية {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] رذائل القوة النطقية وكل ذلك من موانع الزينة {وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} ينتهون عنده إلى مبدئهم {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] لأن وقوع ما يخالف العلم محال {يَسْتَقْدِمُونَ يا بنى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ} من جنسكم، وقيل: هي العقول، وقال النيسابوري: التأويل إما يأتينكم إلهامات من طريق قلوبكم وأسراركم، وفيه أن بني آدم كلهم مستعدون لإشارات الحق وإلهاماته {فَمَنِ اتقى} في الفناء {وَأَصْلَحَ} بالاستقامة عند البقاء {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35] لوصولهم إلى مقام الولاية {والذين كَذَّبُواْ بآياتنا} أخفوا صفاتنا بصفات أنفسهم {واستكبروا عَنْهَا} بالاتصاف بالرذائل {أُوْلَئِكَ أصحاب النار} نار الحرمان {هُمْ فِيهَا خالدون} [الأعراف: 36] لسوء ما طبعوا عليه {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بأن قال: أكرمني الله تعالى بالكرامات وهو الذي بالكرى مات {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ} بأن أنكر على أولياء الله سبحانه الفائزين من الله تعالى بالحظ الأوفى {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} [الأعراف: 37] مما كتب لهم في لوح القضاء والقدر.